الاثنين، 31 ديسمبر 2012

موضوع مهم منشور على الاهرام لتعويضات الخليج

ابريل 1993
1
تعويضات الحرب فى إطار الأمم المتحدة
المصدر: السياسة الدولية

كان أهم القرارات التى صدرت خلال أزمة وحرب الخليج الماضية هو قرار مجلس الأمن 687 (3 إبريل 1991) والذى حدد شروط قبول وقف إطلاق النار ضد العراق من قبل التحالف الدولى وجاء ضمن هذه الشروط مطالبة السكرتير العام للأمم المتحدة بإنشاء صندوق للتعويضات ولجنة لإدارة الصندوق وإيجاد آليات لضمان توجيه نسبة من عائدات النفط العراقية لتمويل الصندوق على أن يوصى بالنسبة المئوية التى يقترحها فى هذا الشطر وقد اعتبر القرار لجنة التعويضات جهازا متفرعا من مجلس الأمن.
ويعتبر القرار 687 غير مسبوق فى لغته حيث أكد مسئولية العراق ـ فى مظلة القانون الدولى ـ عن أى خسائر أو أضرار مباشرة لحكومات أو أفراد أو مؤسسات غير عراقية تكون قد نتجت عن غزو العراق للكويت واحتلاله لها وبالتالى، يكون هذا القرار قد ركز على مباشرة العلاقة بين الغزو أو الاحتلال من جهة والضرر أو الخسارة من جهة أخرى، وقصر التعويض على غير العراقيين وربط تعويض الخسائر بإثبات نشوئها عن الغزو العراقى للكويت أو احتلاله لها (1).
وقد نشأت لجنة التعويضات من الناحية الفعلية فى ضوء قرار مجلس الأمن 692 لعام 1991 (فقرة 3) والقسم الأول من تقرير سكرتير عام الأمم المتحدة 22559 s، وذلك بهدف إدارة صندوق التعويضات وخول للجنة تحديد نسبة مساهمة العراق فى الصندوق من عائد صادراته النفطية وتخصيص الموارد وتحديد مدفوعات المطالبات وتنظيم الإجراءات وحسم المطالبات للتعويضات عن خسائر ناتجة مباشرة عن الغزو العراقى للكويت واحتلاله لها وتتكون لجنة التعويضات من ثلاثة فروع:
مجلس الإدارة، السكرتارية ولجان المفوضين ويضم مجلس الإدارة الدول التى تكون أعضاء بمجلس الأمن فى نفس الفترة وهو جهة صنع السياسة باللجنة وعليه مسئولية صياغة الخطوط التوجيهية حول كافة المسائل ذات الطبيعة السياسية وبلورة الإجراءات الخاصة بتقديم المطالبات واتخاذ قرارات بشأنها علما بأنه لا يوجد حق نقض (فيتو) بمجلس الإدارة، والمفترض أن تتخذ القرارات بأغلبية تسعة أصوات، باستثناء القرارات الخاصة بضمان المدفوعات للصندوق، فهى تتخذ بتوافق الآراء (2).
وإذا تعذر ذلك يتم اللجوء إلى مجلس الأمن إلا أنه من الناحية الفعلية تم اتخاذ كافة قرارات المجلس حتى الآن بتوافق الآراء وتكون قرارات مجلس الإدارة بشأن التعويضات نهائية، وهو يملك سلطة إقرار أو تغيير (زيادة أو تخفيض) ما يرد بتوصيات المفوضين بشأن التعويضات أو دفع نسب من التعويضات المقررة حسب الموارد المتاحة أو إعادة المتطلبات للمفوضين لمراجعتها ومن المفترض أن تلعب الدول دائمة العضوية فى مجلس الأمن ـ وبالتالى فى مجلس إدارة اللجنة ـ دورا هاما بوصفها عنصر استمرارية فى أنشطة المجلس وتوجهاته (3).
ومنذ اجتماعه الأول فى 23 يوليو 1991، عقد مجلس الإدارة ثمانى دورات رسمية ودورة مشاورات غير رسمية وعمل المجلس خلال هذه الفترة على تنفيذ ما جاء بالقسم ـ هـ ـ من قرار مجلس الأمن 687 من حيث تبنى معايير لتجهيز وتقديم المطالبات من كافة الفئات وأعداد الاستمارات الأزمة للتقدم بهذه المطالبات وإقرار لائحة إجراءات التقدم بالمطالبات وتحديد حدود زمنية قصوى لتقديم المطالبات ومسائل أخرى تناولها فى قراراته (4).
وقد كان أحد الدوافع الأساسية التى أدت بمجلس الإدارة إلى وضع قيود على نطاق المطالبات والأضرار المسموح بالحصول على تعويض عليها القيود العملية المرتبطة بالموارد المتاحة لدفع التعويضات (5).
وتبقى حقيقة أن مجلس الإدارة هو الذى وضع الإطار الإدارى والمؤسسى والقانونى الذى يمكن اللجنة ككل من أداء وظائفها ويعكس ذلك حقيقة أن مجلس الإدارة يجمع بين وظائف سياسية وإدارية وقضائية بغرض العمل على تحقيق أهداف اللجنة والبرنامج الذى تمثله ويتركز الدور القضائى للمجلس فى مسألة تقييم المدفوعات وحسم المطالبات المختلف عليها وهو دور لا يصل المجلس إليه بعد وقد لعب مجلس الإدارة دورا هاما فى اتخاذ القرارات الأزمة بشأن معايير المطالبات كما عمل المجلس على تعريف نطق المسائل التى تدخل فى إطار اختصاص لجنة التعويضات (6).
كذلك كان مجلس الإدارة هو الذى حصر الخسائر والأضرار المباشرة فيما نتج عن:ـ عمل عسكرى لأى من الطرفين فى الحرب، مغادرة أفراد من العراق والكويت خلال الفترة من 2 أغسطس 1990 وحتى 2 مارس 1991، أفعال لمسئولين حكوميين أو موظفين أو وكلاء للحكومة العراقية، حدوث فوضى مدنية عامة، أو الاحتجاز كرهائن (7).
أما ما يتصل بالسكرتارية، فنجد أق السكرتير العام للأمم المتحدة ـ وعقب إجراء مشاورات مع الدول أعضاء مجلس الإدارة ـ قرر فى 29 يوليو 1991 تعيين السفير كارلوس الزامورا (بيرو) لمنصب السكرتير التنفيذى للجنة وفى مرحلة لاحقة جاء عدد من أعضاء السكرتارية من فكرة التحكيم بين إيران والولايات المتحدة فى لاهاى ويتول السكرتير التنفيذى للجنة مسئولية الإدارة الفنية للصندوق والإشراف على السكرتارية وتقديم خدماتها لمجلس الإدارة ولجان المفوضين، كما سيتولى تسجيل كافة المعاملات والمدفوعات المتصلة بها التى تدخل فى الحساب الخاص للجنة وقد أعدت السكرتارية استمارات المطالبات من مختلف الفئات، وبعد إقرارها من مجلس الإدارة تم توزيعها على حكومات الدول وتقوم السكرتارية حاليا بتسجيل المطالبات ا التى قدمت لها والتحقق من موافاتها للمتطلبات الشكلية، وتقوم بتصنيف هذه المطالبات والتقييم المبدئى لها مما يتطلب تعليقا على هذه المطالبات وسيتم تجميع المطالبات المتشابهة داخل نفس الفئة، بحيث تقدمها السكرتارية لنفس لجنة المفوضين، وذلك بهدف تسهيل عمل المفوضين وسيجىء تصنيف المطالبات طبقا لنوع وحجم المطالبة والتشابه فى المسائل القانونية والوقائية (8).
وبالإضافة إلى ذلك، فمن واجبات السكرتارية تقديم الدعم القانونى لمجلس الإدارة بجان المفوضين وكذلك تقديم كل ما يلزم المفوضين من مساعدة فنية أو إدارية، كما قد تلعب السكرتارية دورا ما فى المستقبل لضمان اتساق التوصيات بصرف تعويضات للمطالبات المتشابهة ولعل أهم ما تقيم به السكرتارية حاليا هو عملية جمح سجلات وقوائم للتحقق من بيانات المطالبين لهدف تطوير قاعدة بيانات بالكمبيوتر لكى تقارن هذه البيانات بتلك التى تتوفر لدى السكرتارية من الحكومات والمنظمات الدونية وخطوط الطيران، وبقية شركات النقل التى نظمت رحلات إغاثة لإجلاء الهاربين من العراق والكويت وكذلك ما هو متوفر لدى الكويت والعراق من سجلات المقيمين قبل الحرب وبعدها وخاصة الأجانب فى حالة العراق، ومعسكرات تجميع اللاجئين فى المنطقة حينئذ وطبقا للمادة ـ 16 من لائحة إجراءات التقدم بمطالبات، تعد السكرتارية تقارير دورية للحكومات بها تقييم أعلى للمطالبات الواردة للجنة وعلى الحكومات التعليق على هذه التقارير فى خلال قترة زمنية محددة (9).
ونود أن نشير هنا إلى أن التعاون الوثيق والمستمر حتى الآن بين مجلس الإدارة والسكرتارية هو الذى أنتج القرارات الهامة التى أصدرها المجلس ووضعت التوجهات السياسية العامة للجنة فعلى سبيل المثال اقترحت السكرتارية شكل استمارات المطالبات الموحدة لكل فئة ومبالغ موحدة للمطالبات ـ أ ـ و ـ ب ـ، ووضع حد أقصى للتعويضات للآلام العقلية، وقد أقر مجلس الإدارة هذه الاقتراحات (10).
وأن انتقلنا الآن إلى المفوضين، سنجد أن السكرتير العام يطور سجلا بأسماء خبراء فى مجالات التمويل والقانون والتأمين والمحاسبة وتقييم الخسائر البيئية والاقتصاد حيث سيختار من بينهم ـ أو من غيرهم ـ مفوضين ليوصى بهم السكرتير التنفيذى للجنة إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ـ بعد إجراء المشاورات الأزمة مع الدول أعضاء مجلس الإدارة ـ والذى سيعينهم أخذا فى الاعتبار الحاجة للتمثيل الجغرافى والمؤهلات المهنية والخبرة والنزاهة وسيسبق ذلك تقدم الحكومات بقوائم لمرشحيها لمنصب المفوضين، ولكن المفوضين سيعتبرون بصفتهم الشخصية (11).
وسيتبين على المفوضين من الناحية العملية وفى العديد من الحالات تعريف ما هو الضرر أو الخسارة المباشرة من عدمها، كما سيكون عليهم لتحقيق العدالة ضمان المعاملة المتساوية للمطالبات المتماثلة وبصفة عامة، فإن على المفوضين تطبيق قرارات مجلس الآمن ذات الصلة، والمعايير والقرارات التى اتفق عليها مجلس الإدارة و ـ عند الضرورة ـ قواعد القانون الدولى الأخرى ذات الصلة (12).
وإذا كان للمفوضين دور مختلف عن دور المحكمين سواء من الناحية الإجرائية أو من ناحية الحاجة لتقصى الحقائق بشكل مكثف، فإن كونهم غير محكمين لا يعنى بأى حال من الأحوال نفى دورهم فى إصدار التوصيات بأحكام التعويضات وتقييم المطالبات وسيلعب المفوضون دورا أيضا فى تقرير ما إذا كانت المطالبات واقعية أم مبالغ فيها خاصة فى ضوء إدراكهم لعدم كفاية الموارد ـ حال تصدير النفط العراقى ـ لسد كافة مطالبات التعويض، كما ستحدد لجانهم مدى قبول واتصال الأدلة بالمطالبة ووزنها وأهميتها المادية كما قد يقررون عقد جلسات فعلية لسماع تعليقات وتدخلات أو المطالبة بمعلومات إضافية كذلك علينا أن نتذكر أن المفوضين قد يجدون أنفسهم مضطرين ـ فى ضوء غياب أى دور فعال ومتواصل للعراق فى عملية المطالبات ـ لاتخاذ مواقف متشائمة تجاه المطالبات ذاتها بحيث يحل محل الخصم الغالب ويلعبون فى نقد آراء وحجج وأدلة المطالبين، خاصة فى حالة المطالبات الكبيرة (13).
ونتوقف هنا لنعرض للفئات المختلفة للمطالبات فهناك ست فئات أساسية أقرها مجلس الإدارة وهى الفئات ـ أ ـ، ـ ب ـ، ـ ج ـ، ـ د ـ للأفراد و ـ هـ ـ للمؤسسات العامة أو الخاصة و ـ و ـ للحكومات والمنظمات الدولية، ولكل منها متطلبات وأدلة مختلفة ومستويات متعددة ومتباينة للوثائق ورغم أن مجلس الإدارة قد شجع عموما على سرعة تقديم المطالبات فى أقرب وقت ممكن، فإنه حدد الحد الأقصى لتقديم استمارات مطالبات الأفراد بالأول من يوليو 1993 ـ باستثناء الأفراد المحتجزين بالعراق وضحايا الألغام ـ بينما بدأ استلام استمارات مطالبات المؤسسات فى أول يناير 1993 ويستمر لمدة عام، وبدأ استلام استمارات مطالبات الحكومات والمنظمات الدولية فى أول فبراير 1993 ويستمر لمدة عام أيضا، باستثناء وحيد هو المطالبات المتصلة بخسائر ناتجة عن الأضرار بالبيئة والتى سيتم قبولها حتى أول فبراير 1997، نظرا لان بعض الخسائر البيئية تستغرق فترة زمنية مطولة حتى تظهر أضرارها بوضوح (14).
وقد جاء هذا التقسيم للمطالبات إلى فئات متعددة فى ضوء حث السكرتير العام للأمم المتحدة لمجلس الإدارة على صياغة معايير تحدد سبل تصرفه فى موارده (15).
وتتناول الفئة ـ أ ـ مطالبات بالأفراد عن مغادرة العراق والكويت خيل الفترة من 2 أغسطس 1990 وحتى 3 مارس 1991، ويستحق الفرد بموجبها مبلغ 2.500 دولار (و 4000 دولار للأسرة) كتعويض مؤقت يمكنه من المطالبة بتعويض إضافى فى ظل فئات أخرى من المطالبات تتطلب إجراءات وأدلة اكثر وكل ما يحتاجه الفرد فى الفئة ـ أ ـ هو إثبات المغادرة دون إثبات الخسارة وفى نوفمبر 1991، وكحل وسط بين اتجاهات مختلفة فى صفوف الدول أعضاء مجلس الدارة، قرر المجلس أن يتمكن المطالب فى ظل الفئة ـ أ ـ من المطالبة بتعويض 4000 دولار (8000 للأسرة) للمغادرة إذا وافق على عدم للتقدم بمطالبات فى فئات أخرى (16).
وتتوقع السكرتارية ما يزيد على مليون مطالبة فى ظل هذه الفئة أما الفئة ـ ب ـ فهى تلك الخاصة بتعويض الإصابة البدنية أو الوفاة ويتطلب أيضا مستندات بسيطة ولا تحتاج لوثائق تثبت الخسارة الفعلية ونأتى إلى الفئة ـ ج ـ التى تشمل خسائر حتى 100 ألف دولار ناتجة عن فقد أن الدخل أو الثروة أو الممتلكات الشخصية أو الدعم أو المسكن أو مصاريف العلاج أو الموت أو الإصابة أو تكاليف المغادرة إذا زادت عما تلقاه المتضرر فى الفئتين ـ أ ـ و ـ ب ـ وفى حالت الخسائر أقل من 20 ألف دولار تطلب اللجنة مستندات بسيطة وقد استخدمت تعبير ـ أدلة ملائمة فى ظل الظروف السائدة حين حدوث الضرر ـ كما يندرج فى ظل الفئة ـ ج ـ خسائر تجارية فردية نتجت عن معاملات كانت جزءا من ممارسة تجارية أو عقد ولكنها لا تشمل معاملات كانت متوقعة الحدوث فى ضوء نهج تعامل كان سائدا من قبل وتتوقع اللجنة وصول حوالى 750 ألف مطالبة من الفئة ـ ج ـ (17).
أما الفئة ـ د ـ فتغطى نفس ما تغطيه الفئة ـ ج ـ ـ ولكنها تشمل من زادت خسائرهم على 100 ألف دولار، ويحق لهم تقديم للمائة ألف الأولى من الخسائر فى ظل الفئة ـ ج ـ والمطالبة بالباقى خلال الفئة ـ د ـ أو تقديم المطالبة بالخسائر ككل فى إطار الفئة ـ د ـ وقبل الانتقال إلى بقية فئات المطالبات نشير إلى أن أسلوب معالجة لجنة التعويضات للمطالبات الصغيرة تميز بالتغلب على الصعوبات المرتبطة بتقدير الخسائر من خلال تحديد مستويات مقررة للتعويض وكان سكرتير عام الأمم المتحدة قد اقترح فى تقريره فى 2 مايو 1991 إعطاء الأولوية للمطالبات الصغيرة للأفراد، ورغم تعاطف مجلس الإدارة مع المطالبات الصغيرة، فإنه أعطاها أولوية زمنية فى التقدم بالمطالبات للجنة ولكنه لم يقرر بعد إعطائها نفس الأولوية فى تلقى التعويضات ذاتها وبينما يرى البعض أن إعطاء الأولوية المطلقة فى دهم التعويضات للمطالبات الفردية الصغيرة سيستهلك موارد صندوق التعويضات ـ فى حالة استئناف تصدير النفط العراقى ـ لمدة عامين على الأقل، يدافع آخرون عن مثل هذا النهج لاعتبارات إنسانية واقتصادية حيث شكل العمل فى العراق أو الكويت المصدر الوحيد للإعاشة للكثيرين كما استرشد هؤلاء بالنظرية الاقتصادية للمنفعة الحدية لإثبات رأيهم بإعطاء الأولوية لدفع التعويضات الفردية الصغيرة (18).
ونود أيضا التعرض فى عجالة لما قرره مجلس إدارة اللجنة بشأن خسائر الأعمال التجارية وهى التى تسرى ليس فقط على خسائر المؤسسات بل ـ وكما أسلفنا الذكر ـ على الفئتين ـ ج ـ و ـ د ـ وقد تناول القرار التاسع لمجلس الإدارة أمثلة لحالات الأضرار القابلة للتعويض فى هذاالسياق وسبل تقييمها، ووضع قواعد عامة لهذه المسألة، ثم تناول الخسائر المرتبطة بالممتلكات المولدة للدخل والممارسات التجارية السابقة وأشار إلى الأخذ فى الاعتبار مدى الحد من الأضرار أو تفاديها كلية أو الفشل فى ذلك وكذلك عودة المنشأة للعمل أو إعادة بنائها أو عودة الأطراف المتعاقدة لتنفيذ بقية العقود بعد رفع الحظر ـ فى حالة الكويت) مما سيؤثر على التعويض المقرر بحيث يقتصر على فترة توقف العمل إلا أن هذا القرار لم يدع انه يمثل إعلانا شاملا لكافة المبادئ ذات الصلة بخسائر الأعمال التجارية وإنما ذكر أن مجلس الإدارة سيراجع الموضوع ويقدم خططا إرشادية إضافية عنه فى المستقبل وركز هذا القرار على تأكيد ضرورة مباشرة الصلة السببية بين الخسارة أو الضرر وبين الغزو أو الاحتلال العراقى للكويت وان كانت أهمية هذا القرار تكمن فى أنه أعطى الحق للمتضرر بالتقدم بمطالبة للجنة للتعويض عن الخسائر حتى وان كانت ناتجة بنفس القدر عن الحظر الدود على العراق الذى فرض فى 6 أغسطس ـ 1990، علما بأن قرار مجلس الأمن 687 كان قد استبعد من اختصاص لجنة التعويضات أى خسائر تنتج فقط من الحظر ويحدد القرار انه إذا كان العراق طرفا متعاقدا داخل بالتزاماته التعاقدية، تقع عليه مسئولية تعويض الطرف الأخر بما فى ذلك تعويض الأرباح المستقبلية إذا أمكن حسابها بقدر من التيقن فى ظل العقد الموجود أو على أساس الأداء فى الماضى وليس توقعات المستقبل مع معرفة ما استخدم من أساليب التقييم وقد استبعد القرار بالطبع العقود التى لم ينتج نقضها عن الغزو أو الاحتلال وأخرجها من اختصاص اللجنة إلا أن القرار أدخل فى نطاق ولاية اللجنة الحالات التى أصبح استمرار تنفيذ عقد ما فيها مستحيلا نتيجة غرو العراق للكويت أو احتلاله لها حتى ولو لم يكن العراق طرفا فى التعاقد، وحمل القرار العراق مسئولية خسائر الطرف المتضرر بما فى ذلك الأرباح المتوقعة مستقبلا وحظر عليه استخدام ادعاء أن ما وقع كان خارج إرادة العراق force majeur وذكره بأنه طبقا لقواعد لاهاى للحرب البرية (اتفاقية لاهاى الثانية لعام 1899 الرابعة لعام 1970) فإن القوى المحتلة ملزمة بالعمل على إعادة وحماية النظام (19).
ونذكر هنا أن القرار رقم (9) جاء عقب رقم (4) الذى أشار إلى مسئولية العراق عن نهب وتدمير والاستيلاء على المنشآت التجارية والمخزونات والمعدات وكذلك عن السرقة والمصادرة التى تكون قد تعرضت لها الأعمال التجارية (20).
ويمكننا العرض السابق لخسائر الأعمال التجارية من الانتقال الآن لتناول الفئة ـ ه ـ خسائر المؤسسات العامة أو الخاصة والتى عليها تقديم المطالبات ـ مثل كافة الفئات الأخرى ـ من خلال الحكومات ونظرا لان التقديم الأول للمطالبة سيكون غالبا ـ فى حالة المؤسسات ـ هو التقديم الوحيد، فإن ـ بيان المطالبة له الذى يجب أن تقدمه المؤسسات بشكل خاص ـ يفترض أن يرفق به كل المستندات والوثائق الأساسية اللازمة لإثبات كل عنصر من عناصر المطالبة وعليه أن يتضمن كافة الحجج القانونية وسرد الوقائع والشروح اللازمة لإثبات صحة المطالبة ويندرج فى هذا الإطار ضرورة إثبات حجم الأضرار وتحديد التعويض المطلوب وشرح المنهج الذى اتبع فى احتساب هذا التعويض وتبريره كما سيكون على المؤسسة أن تتعرض فى ـ بيان المطالبة ـ إلى الحجج المضادة لها التى قد ترد بأذهان المفوضين عند تناولهم لهذه الحالة، لأنه غالبا لن تكون هناك فرصة للرد على هذه الحجج المضادة فى مرحلة لاحقة نظرا لان المفوضين وحدهم هم الذين لهم سلطة تقرير ما إذا كانت الحالة محل البحث تستوجب أدلة إضافية أو جلسات استماع من عدمها ومن المفترض أن تتقدم بمطالبات هذه الفئة حكومة الدولة التى تنظم المؤسسة المعنية فى إطار قانونها وقت حدوث الضرر محل المطالبة وطبقا للفقرة 26 من القرار السابع لمجلس الإدارة فإذا لم تتقدم حكومة ما بمطالبة مؤسسة تابعة لها بحلول يناير 1994 ـ (وهو الحد الأقصى لتقديم مطالبات المؤسسات) ، يحق للمؤسسة فى خلال فترة ثلاث شهور التقدم بمطالبتها مباشرة للجنة على أن تقدم للجنة أيضا شرحا للأسباب التى دعت الحكومة لعدم تقديم هذه المطالبة (21).
وهذه هى الحالة الوحيدة التى ستتلقى فيها اللجنة مطالبة بشكل مباشر من جهة غير الحكومات والمنظمات الدولية أما بشأن المشروعات المشتركة، فإن المادة ه (1) (ب) من لائحة إجراءات التقدم بمتطلبات قد أعطت الحق لأى حكومة من حكومات المشاركين فى المشروع لتتقدم بالمطالبة نيابة عنهم جميعا (22).
أما الفئة ـ و ـ الخاصة بتعويضات الحكومات والمنظمات الدولية فهى تشمل ما تكبدته هذه الأطراف من تكاليف نقل وإغاثة للفارين من المنطقة أو ما دفعته من تعويضات بالفعل لأفراد ومؤسسات تضرروا من الغزو والاحتلال بالإضافة إلى ما تعرضت له منشآت تابعة لها فى البلدين من خسائر وأخيرا الخسائر البيئية المباشرة والأضرار بالموارد الطبيعية (23).
وبالإضافة إلى كون الحظر الذى فرض على العراق والكويت (ثم رفع عن الكويت بعد التحرير) قد اعتبر سببا بعيدا لأى خسائر نتجت عن الغزو والاحتلال العراقى للكويت مما أدى لاستبعاده من إطار اختصاص لجنة التعويضات طبقا لقرار مجلس الأمن 687، فإن القرار السادس لمجلس الإدارة حول ترتيبات ضمان دفع مساهمة العراق لصندوق التعويضات قد ربط دخول هذه الترتيبات حيز التنفيذ برفع العقوبات المفروضة ضد العراق من قبل مجلس الأمن كما سيكون على المطالبين بتعويض من المؤسسات بذل مجهود محكم لإقناع المفاوضين بأن ما تعرضوا له من خسائر إنما هو ناتج عن غزو العراق واحتلاله للكويت وليس ناتجا ـ فقط أو بشكل منفصل ـ عن الحظر وقد استبعد قرار مجلس الأمن 687 أيضا ديون العراق والتزاماته النابعة قبل 2 أغسطس 1990 من نطاق لجنة التعويضات واعتبر أنها ستحل عبر الآليات العادية (24).
كذلك أشار بعض القانونيين الدوليين إلى احتمال أن يطالب العراق بأن يتم استثناء الموارد التى ستوجه لإعادة تأهيل خطوط إنتاج النفط ومنشآت تصديره للعودة إلى مستوى ما قبل الحرب (35 مليون برميل يوميا) من انطباق نسبة 30% المفترض توجيهها لصندوق التعويضات (25).
ارتباط عمل لجنة التعويضات بتصدير النفط العراقى:
كان مجلس الإدارة قد طالب السكرتير التنفيذى ـ والذى أعد بالفعل ـ تقارير حول الجوانب الفنية المتصلة بإنتاج وتصدير النفط العراقى وكذلك سبل إدارة الموارد التى سترد من صادرات النفط والمنتجات النفطية العراقية عقب رفع الحظر المفروض على العراق وقد شكل القرار السادس لمجلس الإدارة نظاما لرصد تدفقات النفط والمنتجات النفطية العراقية المصدرة ـ من نقاط محددة ـ وأسعار التعاقد، كما حدد استخدام حساب خاص لنصيب صندوق التعويضات من عوائد هذه الصادرات بما يكفل الاستمرارية والقدرة على التنبؤ فى المعاملات الخاصة بالصادرات النفطية العراقية، ونص على أن عقود بيع وشراء النفط والمنتجات النفطية العراقية ستقر بواسطة المؤسسة الحكومية العراقية لتسويق النفط والمشترين المعنيين بحيث يتم تحويل المدفوعات مباشرة إلى الحساب الخاص للأمم المتحدة وسيكون على المشترين تقديم خطابات ضمان لكل معاملة أغسطس 1991 قد تبنى توصية السكرتير العام للأمم المتحدة بأن توجه نسبة 30% من عائدات النفط العراقية مساهمة فى صندوق التعويضات وفى نفس اليوم، تبنى مجلس الأمن القرار 706 ثم فى 19 سبتمبر تبنى القرار 712 اللذين أقرا رفعا جزئيا عن الحظر المفروض على صادرات النفط العراقية بما يسمح للعراق بتصدير ما قيمته 16 بليون دولار خلال ستة شهور على أن يضع المشترون ثمن النفط العراقى فى حساب خاص للأمم المتحدة ويحول 30% من موارده إلى صندوق التعويضات ويوزع الباقى بين سد الاحتياجات الإنسانية للشعب العراقى وتمويل عمليات الأمم المتحدة الأخرى المتبقية من قرار مجلس الأمن 687 لعام 1991 وقد نص القرار 712 لمجلس الأمن على إعطاء الحماية للنفط العراقى المصدر فى ظل هذا الترتيب ضد أى يوع من الادعاءات أو الإجراءات القانونية (29) ونرى أن هذه المبادئ التى تبناها مجلس الأمن بشأن ما يسرى على الصادرات النفطية العراقية خلال فترة الرفع الجزئى للحظر هى نفسها التى تبناها مجلس إدارة لجنة التعويضات بعد ذلك لتسرى على المدى الطويل على صادرات النفط العراقى بعد رفع الحظر نهائيا ورغم جولات مفاوضات متعددة بين الأمم المتحدة والعراق، فإن الحكومة العراقية اغتربت قرارى مجلس الأمن 706 و 712 تدخلا فى سيادته الوطنية وأنهما يفرضان قيودا غير مبررة عليه وبالتالى رفض العراق استئناف صادراته على أساسهما، مما حرم بالتالى الصندوق من موارده، رغم حل كافة المسائل والعقبات الفنية المتصلة بضخ وبيع النقط العراقى تحت إشراف الأمم المتحدة (30).
ويتخوف كثيرون من أن مجرد الحديث من أن إلى أخر عن عودة العراق لتصدير نفطه يؤدى بالسعر العالمى للنفط للهبوط بسبب توقعات زيادة العرض على الطلب (31).
ورغم أن التقرير الأصلى لسكرتير عام الأمم المتحدة فى 2 مايو/ 1991 اعتبر أن مجلس الأمن لم يدع إلى استخدام الأرصدة العراقية المجمدة لتمويل صندوق التعويضات، (32).
فقد صدر قرار مجلس الأمن 778 فى يقرون فيها بدفع العوائد للحساب الخاص وستتحدد كمية وتوقيت المدفوعات بما يتفق مع الممارسات التجارية الاعتيادية وأسعار السوق أما النفط المصدر برا فإن ا لدول المتاخمة للعراق مطالبة بنقل صورة من مستندات الجمارك الخاصة بهذه الشحنات البرية إلى السكرتير التنفيذى للجنة بما يحدد حجم وتميمة كل شحنة وفيما يتصل بالصفقات المتكافئة، فسيكون العراق مطالبا بدفع النسبة المطلوبة منه من عوائد النفط المصدر فى إطار هذه الصفقات من مصادر أخرى مقدما على أن يحدد سعر النفط أو المنتجات النفطية فى إطار هذه الصفقات تبعا لسعر السوق، وهو أمر سيحدده السكرتير التنفيذى للجنة بمساعدة خبراء مستقلين فى هذا المجال سيقدمون أيضا تقارير حول كمية ونوعية اشفط المصدر (26) وقد قرر مجلس إدارة لجنة التعويضات فى نفس هذا القرار حصانة النفط والمنتجات النفطية العراقية المصدرة عند انتقالها فى خط أنابيب أو عبر شاحنات فى أراضى دولة أخرى غير العراق من أى إجراء قانونى باعتبارها ملكيه للأمم المتحدة كما استبعد القرار النفط العراقى من أن يستخدم لسداد ديون عراقية سابقة على 2 أغسطس 1990 وفى حالة تصدير النفط العراقى فى مرحلة لاحقة من خلال موانئ عراقية فسيكون على السكرتير التنفيذى للجنة إعداد الترتيبات اللازمة لرصد هذه الصادرات (27) وفى مرحلة تالية، طالب مجلس الإدارة السكرتير التنفيذى والذى أعد بالفعل ـ تقريرا حول أماكن وقيمة النفط والمنتجات النفطية التى كان قد صدرها العراق قبل 2 أغسطس 1990 وتسرى عليها نسبة إلى 30% الواردة فى قرار مجلس الأمن 692 ولم يتلق ثمنها أو احتجزت الكميات المصدرة فى صهاريج أو خطوط أنابيب نتيجة قرارات الحظر ضد العراق وكان الهدف من هذا التقرير رؤية كيفية مساهمة هذه الأموال فى صندوق التعويضات (28).
وإذا انتقلنا فى إطار مسألة النفط العراقى أيضا من مستوى لجنة التعويضات إلى المستوى الأعلى: أى مجلس الأمن، نجد أن قرار المجلس 705 فى 15 ـ 2 أكتوبر 1992 مقررا أن أى دولة لديها أموال عراقية مجمدة تمثل ناتج مبيعات نفط عراقى سابقة على 2 أغسطس 1990 أو لديها نفط عراقى سابق لهذا التاريخ لم يسدد ثمنه ـ أو أى دول تحد تقديم مساهمة طوعيه لأجهزة الأمم المتحدة المعنية بتطبيق القرار 687 بما فيها لجنة التعويضات ـ تنقل هذه الموارد إلى الحساب الخاص الذى نص عليه قرارا مجلس الأمن ـ 706 و 712 لعام 1991، على أن توجه 30% من هذه الموارد إلى لجنة التعويضات (33).
وكان قد سبق لحكومة الكويت تقديم مساهمة مالية ب 2 مليون دولار للجنة التعويضات لتمويل عمليها فى إطار مساهمات قدمتها الكويت أيضا إلى بقية عمليات الأمم المتحدة المنبثقة عن قرار مجلس الأمن 687 (34).
ومن المفترض طبقا لقرار مجلس الأمن 692 لعام 1991 أن يتم تمويل مصروفات لجنة التعويضات ذاتها من نسبة ال 30% التى ستستقطع من عائدات صادرات النفط العراقية إلا أنه نتيجة عدم تصدير العراق لنفطه، تعتمد اللجنة فى مصروفاتها على تمويل من الأمم المتحدة أو المساهمات الطوعية للدول بما ساعد على البدء بتطوير قاعدتى الكمبيوتر باللجنة سواء لتجميع المطالبات أو بيانات التحقق وقد سبق لرئيس مجلس الإدارة السابق اليكس رين (سفير بلجيكا بجنيف) أن أكد فى تقريره لمجلس الأمن عن أنشطة السنة الأولى للجنة أن التنفيذ الفعال لولاية اللجنة يرتبط بشكل وثيق بوجود الموارد الكافية لتعيين الطاقم الإضافى الكافى من الأفراد ولتوفير الوسائل الفنية الضرورية لعمل اللجنة وأوضح أن الأمر يحتاج إلى دعم مالى يثبت وجود دعم سياسى للجنة ويساعد اللجنة لتحقيق أهدافها المحددة فى قرار مجلس الأمن 687 لعام 1991 (35) ويتخوف البعض أنه إذا ما تأخر ظهور نتائج فعلية لعمل لجنة التعويضات، فقد تلجأ بعض الدول إلى رفع التجميد عن الأرصدة العراقية لديها ليس لنقلها لحساب الأمم المتحدة بل لتعويض المتضررين الوطنيين لديها من جراء غزو العراق واحتلاله للكويت (36).
المسائل ذات البعد السياسى المرتبطة بعمل لجنة التعويضات:
أول ما يتبادر إلى الذهن فى هذا الإطار هو ما يتصل بالنفط العراقى وبتصديره، حيث أن إعادة تصدير النفط العراقى سيتطلب قرارا من الحكومة العراقية بأنه فى صالحها وصالح الشعب العراقى إعادة تصدير النفط ودفع 30% من عوائده لصندوق التعويضات كذلك فإن إبقاء مجلس إدارة لجنة التعويضات لنسبة إلى 30% هذه تحت الرصد المستمر والدورى يعنى ـ التلويح بالجزرة ـ فى حالة تعاون العراق وإمكانية إعادة النظر مستقبلا فى هذه النسبة، خاصة وأن التوصية الأصلية للسكرتير العام للأمم المتحدة كانت أن يكون الحد الأقصى هو 30% كما جاء حرمان العراقيين من التعويض إلا إذا تمتعوا بجنسية أخرى ليبرز أيضا البعد السياسى لعمل اللجنة، وإن كان بالنسبة للمؤسسات العراقية التى لها حاملو أسهم غير عراقية يحق لهم التقدم بمطالبات عن أنصبتهم (38).
كما لجأ مجلس الإدارة إلى قصر قدرة العراق على المشاركة فى أعمال اللجنة على حالة تقديم تعليقات على ما يرد فى التقارير الدورية التى يعدها السكرتير التنفيذى طبقا للمادة 16 من لائحة إجراءات التقدم بمتطلبات، وهى تقارير يتم توزيعها على حكومة العراق وكافة الحكومات والمنظمات الدولية التى تقدمت بمطالبات، على أن ينقل السكرتير التنفيذى المطالبات والتعليقات الواردة إلى لجان المفوضين المعنية وفى حالات استثنائية فقط قد يطالب المفوضون حكومة العراق بتقديم آراء إضافية كتابة أو شفاهه وقد تبنى مجلس الإدارة بذلك اتجاه الحيلولة دون إعطاء العراق الفرصة لاعتراض سير عملية التعويضات أو تأخيرها (39).
كذلك كان مجلس الإدارة قد رفض طلبا للحكومة العراقية بالحصول على مقعد مراقب دائم فى المجلس كما سبق له رفض طلب مماثل من العراق لإعفائه من سداد نسبة إلى 3% لصندوق التعويضات لفترة خمس سنوات عقب استئناف تصديره للنفط حتى يتمكن من إعادة بناء بنيته الأساسية وإعادة تأهيل القاعدة الاقتصادية به خاصة صناعة إنتاج وتصدير النفط ويفترض بعض المراقبين انه فى حالة حدوث تغيير سياسى فى العراق، فإن الحكم الجديد سيأتى طالبا من مجلس الأمن تخفيض نسبة إلى ـ 30% أو الإعفاء من التعويضات ككل بحجة مساعدة العالم للحكم الجديد والحد من معاناة الشعب العراقى (40).
المسألة الأخرى ذات الطابع السياسى والمرتبطة بعمل اللجنة هى مسألة تعويض الفلسطينيين حيث كانت مثار مشاورات ومفاوضات غير رسمية مكثفة ففى قراره الأول، تناول مجلس إدارة اللجنة إمكانية تعيين المجلس لشخص أو جهة ملائمة لتتقدم بمطالبك أولئك الذين ليسوا فى وضع يؤهلهم لأن تقدم حكومة مطالباتهم نيابة عنهم، وكان المقصود أساسا الفلسطينيين وقد اقترح السكرتير التنفيذى فى مرحلة لاحقة ـ وقبل مجلس الإدارة هذا الاقتراح ـ أن تقوم وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) بتقديم المطالبات نيابة عن الفلسطينيين المقيمين فى مصر وسوريا ولبنان وكذلك فى الأردن ممن لا يحملون جوازات سفر أردنية، بينما يتولى برنامج الأمم المتحدة للتنمية هذه المهمة نيابة عن الفلسطينيين المقيمين بالأراضى المحتلة بعد أن رفضت إسرائيل تولى الأونروا هذه المهمة وبالنسبة لتوزيع وجمع استمارات المطالبات وتقديمها للجنة واستلام التعويضات وتوزيعها لفئات أخرى فى وضع لا يمكن حكومة ما من التقدم بمطالباتها، فقد سعى مجلس الإدارة إلى تعاون ملائم مع كل من المفوضية السامية لاجئين واللجنة الدولية للصليب الأحمر خاصة أن لديهما مكاتب إقليمية عبر العالم تخدم هذا الهدف (41).
والمسألة الثالثة ذات الطابع السياسى هى تلك المتعلقة بالدول التى كان لها نظام فيدرالى ومرت بتغيرات سياسية ودستورية هيكلية منذ عامى 1990 و 1991 وخاصة الاتحاد السوفيتى ويوغوسلافيا فالسؤال هو:ـ أى من الحكومات الجديدة التى تفرعت عن هذه الاتحادات يحق لها التقدم بمتطلبات؟ وقد حددت المادة ه (1) (أ) من لائحة إجراءات التقدم بمطالبات أنه فى حالة الحكومات فى أراضى دولة فيدرالية سابقة يحق لحكومة واحدة التقدم بمطالبات أفراد ومؤسسات حكومة دولة أخرى أو أكثر بشرط موافقة تلك الدول الأخرى وفى حالة الاتحاد السوفيتى السابق تم ترجمة هذا الترتيب فى شكل قيام الاتحاد الروسى بتقديم المطالبات نيابة عن بقية الجمهوريات السوفيتية السابقة أما فى حالة يوغوسلافيا السابقة، فان الوضع المتفجر بين جمهورياتها السابقة دفع كلا منها إلى التقدم بمطالباتها ومطالبات مواطنيها ومؤسساتها على حدة وتتأتى أهمية الطبيعة السياسية لعملية التعويضات أيضا من إعطاء دور هام للحكومات سواء فى استلام وتوزيع استمارات المطالبات أو إعادة جمعها وتسليمها للجنة، أو استلام التعويضات وتسليمها للمطالبين على أن تحدد كل حكومة إجراءات تسليم وتوزيع مبالغ التعويضات كما أنه من حق الحكومات وضع حدود زمنية قصوى لاستلامها استمارات المطالبات من المتضررين قبل الحدود القصوى التى حددتها اللجنة ويمكن للحكومات أيضا تحديد ما تراه من متطلبات إضافية تزيد على ما طلبته اللجنة لإثبات صحة المطالبات (42).
وقد قامت بعض الحكومات بالفعل بمراجعة استمارات المطالبات المقدمة من مواطنيها أو مؤسساتها قبل تسليمها للجنة، وطالبت فى بعض الأحيان المطالبين بمراجعة بعض البيانات الواردة فى هذه الاستمارات ونذكر هنا أن 21 دولة كانت قد تقدمت لمجلس الأمن بطلب إجراءات مساعدة للتخفيف من مشكلات عانت منها بسبب العقوبات ضد العراق طبقا للمادة 50 من ميثاق الأمم المتحدة ويرى البعض أن هذه الدول تحتاج لمعاملة خاصة فى إطار لجنة التعويضات أيضا كما كان السكرتير العام للأمم المتحدة قد سبق وأوصى بتقديم مساعدة قانونية للدول ذات الموارد المالية المحدودة لضمان تقديمها لمطالباتها بشكل ملائم (43).
وقد حرصت عدة دول على طلب إلقاء بيانات أمام مجلس إدارة لجنة التعويضات رغم كونها غير أعضاء باللجنة وبالطبع ألقت الكويت والعراق بيانات فى كل دورات المجلس بينما تحدث باكستان مرتين وكل من الفليبين وسريلانكا وفيتنام وتركيا وبولندا مرة واحدة كل للتعبير عن مواقفه ومصاله، (44).
وتجدر الإشارة إلى أن التوقعات تبرز أن مصر قد تكون الدولة الأكثر من حيث عدد الأفراد الذين فروا من العراق والكويت وقت الأزمة والحرب، والذين تضرروا نتيجة لهذه الحرب (45).
أما المسألة الأخيرة فى هذا الجزء، فهى موضوع تعويض جنود القوات المتحالفة وهى مسألة أعترض عليها العراق طويلا واعتبرها غير مسبوقة كما دعت دول أعضاء فى مجلس الإدارة إلى تقييدها إلى حد كبير وانتهى الأمر بالمجلس فى قراره رقم (11) إلى قصر هذا التعويض على فئات محددة من أفراد القوات المتحالفة مستحقة له كنتيجة لمشاركتها فى عمليات التحالف العسكرى ضد العراق وهم أسرى الحرب أو أولئك الذين عانوا ضررا أو إصابة نتيجة سوء معاملتهم بما ينتهك القانون الدولى الإنسانى (46).
بعض الأمثلة للمسائل الفنية التى تناوليها مجلس إدارة اللجنة:
تبنى مجلس الإدارة قراره رقم ـ 3 بعد دراسات وأوراق عمل مستفيضة أعدتها السكرتارية ـ وتضمن صياغات حول الإصابة الشخصية والآلام العقلية وتعريف ـ الاحتجاز ـ و ـ الخوف المبرر ـ وذلك هدف تحديد المواقف التى تستحق التعويض وقد تم قصرـ الخوف المبرر ـ على حالات وجود دلائل واضحة على أن السلطات العراقية كانت تسعى لقتل أو اعتقال الشخص لمعنى أو مجموعة ينتمى إليها بالإضافة إلى حالات تعرض هذا الشخص للاعتقال أو لاحتجاز غير الشرعى وقد عرف القرار المذكور الإصابة البدنية الشخصية بالإشارة إلى العاهات الدائمة أو المؤقتة أو العجز الدائم أو المؤقت عن استخدام جزء من الجسد وأى إصابة تحول دون الشفاء الكامل للمصب، ولم يتضمن الحرق أو القطوعات أو الإصابات العادية أما تعريف الآلام العقلية فقد شمال الاعتداء الجنسى والتعذيب أو مشاهدة حدوثها على زوج أو أبن أو والد والاعتقال أو الاحتجاز غير الشرعى أو اختباء الفرد مضطرا للخوف على حياته أكثر من ثلاثة أيام وكذلك الاعتداء البدنى الشديد، أو الحرمان من كافة موارد الإعاشة بما يهدد حياة الفرد وأولاده وزوجته ووالديه، وعدم حصوله على مساعدة من حكومته أو من مصدر أخر (47).
المسألة الثانية ذات الطابع الفنى كانت مسألة دفع الفائدة وبعد مناقشات استمرت لأكثر من دورة من دورات مجلس الإدارة قبل المجلس مبدأ دفع فائدة للمتضررين عن الخسائر التى عانوا منها نتيجة ما فاتهم من كسب فى الانتفاع بأصل مبلغ التعويض ولكن تم ربط ذلك القبول بتأجيل دفع الفوائد إلى ما بعد دفع أصل مبلغ التعويض وهو الأمر الذى اعتبره البعض تأجيلا لدفع الفوائد إلى أجل غير مسمى كذلك لم يحسم مجلس الإدارة بعد مسألة وسائل احتساب الفائدة وطرق دفعها بالتالى يصبح هذا الموضوع أمرا مؤجلا (48).
المسألة الثالثة والأخيرة ذات الطابع الفنى التى سنشير إليها فى هذه الدراسة هى موضوع تجنب التعويض المزدوج وقد اصدر مجلس الإدارة قراره رقم (13) لضمان تجنب مثل هذا التعويض لنفس الخسائر إلا أن اللجنة كانت مدركة منذ البداية أنها ليست المحفل الوحيد لتقديم المطالبات ضد العراق وأن أقصى ما تستطيع عمله هو التنسيق مع الحكومات ـ بما فى ذلك حكومة العراق ـ لرصد مطالبك التعويض التى يتقدم بها المتضررون أو يحصلون عليها من جهات أخرى فى المحاكم الوطنية وقد طالب مجلس الإدارة فى إقرار (13) هذه الحكومات بأخطار اللجنة بأى مطالبات تعويض ضد العراق أمام المحاكم الوطنية للدول وتكون عن خسائر أو أضرار نتيجة عن غزو العراق للكويت واحتلاله لها ورغم مطالبة حكومة العراق المستمرة لحصر كافة المطالبات الناتجة عن غزوها واحتلالها للكويت فى لجنة الأمم المتحدة لتعويضات، إلا أن المنهج الذى تبناه مجلس الأمن ـ ومن بعده مجلس إدارة اللجنة ـ يتيح الفرصة للمتضررين للسعى إلى تقديم طلبات تعويض عن هذه الأضرار فى محافظ أخرى مثل المحاكم الوطنية وبشكل متوازى مع مطالباتهم أمام اللجنة ـ ماصة وأن اللجنة لم تحرم هذا المسلك وإنما سعت فقط للحيلولة دون ازدواجية التعويض وقد يأتى هذا التصرف أيضا انطلاقا من اعتقاد بعض المطالبين ـ خاصة المؤسسات ـ انه نتيجة محدودية موارد اللجنة ـ حال توفرها أصلا ـ فلن تستطيع سد احتياجات كل المطالبين عبر فترة زمنية قصيرة (49).
إلا أن مجلس الإدارة طالب أيضا المطالبين بتعويض ذكر أى تعويض حصدوا علمه بالفعل من مصادر أخرى ـ الحكومات أو شركات التأمين مثلا ـ لكى تختصم قيمة هذا التعويض عن التعويض الممنوع من اللجنة وألزم مجلس الإدارة المطالبين بأخطار اللجنة فورا من خلال حكوماتهم عما إذا كانوا قد قدموا مطالبات تعويض فى ساحات أخرى عن نفس الخسائر، واعتبر أن عدم كشف ذلك يهدد الطرف المطالب بتأجيل النظر فى مطالبته حتى الانتهاء من بحث كافة المطالبات الأخرى (50).
مقارنة بين لجنة الأمم المتحدة للتعويضات وهيئه التحكيم بين الولايات المتحدة وإيران:ـ يجدر بنا أولا أن نتعرض للفارق بين لجنة الأمم المتحدة للتعويضات ومفهوم التحكيم الدولى فى عمومة فيرى العديد من خبراء التحكيم الدولى أنه إذا كان قد تقرر إنشاء محكمة تحكيم دولية لتناول عملية مطالبات التعويض ضد العراق، فإن الأمر سيكون ضربا فى ضروب المستحيل فى ضوء مئات الآلاف من المطالبات والحاجة إلى سنين ممتدة قادمة والى عدد كبير من القضاة لتناول كل هذه المطالبات، بالإضافة إلى ضرورة ترجمة كل الوثائق والأدلة اللازمة لاستمارات فى ضوء وجودها بلغات متعددة (51).
وبينما كانت كافة محاكم التحكيم الدولية المعنية بالمطالبات للتعويض قائمة على أساس ثنائى وغطت عددا محدودا من المطالبات فإن حالة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات هى حالة متعددة الأطراف فى إطار الأمم المتحدية ابتعدت عن بعض الإجراءات التى تتبع بشكل عرفى فى هيئات التحكيم التى تتأسس نتيجة اتفاقات ثنائية كذلك تتزايد أهمية العرض الأول للمطالبة فى حالة لجنة التعويضات وتأثير هذا العرض عى النتيجة النهائية للحكم ـ فى ضوء أنه سيكون فى معظم الأحوال العرض الأخير أيضا ـ عن بقية حالات ممارسة التحكيم الدولى ـ (52).
وقد أكد تقرير رئيس مجلس الإدارة ـ الذى سبق الإشارة إليه ـ بوضوح لا لبس فيه أن لجنة التعويضات ليست محكمة أو هيئة تحكيم يحضر أمامها الأصوات المتنازعة،، وإنما جهاز سياسى معنى بتقصى الحقائق ودراسة مطالبات التعويض والتحقق من صحتها وتقييم الخسائر وتقدير التعويضات وحسم المطالبات المتنازع عليها إلا أنه بالمقابل فإن تقرير سكرتير عام الأمم المتحدة فى 2 مايو 1991 أشار إلى ضرورة احترام ما يضمن عدالة العملية وإجراءاتها فى إطار عمل لجنة التعويضات كما أنه وبشأن بعض المطالبات الكبرى وذات الخصائص المتميزة، فإن لجان المفوضين قد تتبنى منهجا قضائيا فى تناولها كذلك فإن قواعد تعيين وخروج المفوضين كما وردت فى لائحة إجراءات التقدم بمطالبات صيغت بشكل يتماثل مع القواعد المعمول بها فى التحكيم الدولى لضمان كفاءة عمل وحياد المفوضين (53).
وإذا انتقلنا الآن تحديدا إلى مقارنة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات بهيئة التحكيم بين إيران والولايات المتحدة التى أنشئت طبقا لاتفاق الجزائر بين الدولتين فى العام 1981 نجد أن هذه الهيئة قد تلقت كافة المطالبات خلال عامين وبلغ عددها حوالى ـ 4000 مطالبة تقتصر على الدولتين وموطنيهما ومؤسساتهما مقارنة بمطالبات أكثر من مائة دولة قد تبلغ 2 مليون مطالبة فى حالة لجنة التعويضات ولم يتم التمييز بين مطالبات أفراد ومؤسسات وحكومات وإنما كان تقديم المطالبات يتم فى إطار نفس الحدود القصوى للتقديم وكان التمييز الوحيد فيما بين المطالبات هو أن تلك التى قدمتها أطراف غير حكومية وكانت لمبالغ أقل من 250 آلف دولار كانت تقدم بواسطة الحكومة التى تحمل جنسية المطالب بينما بقية المطالبات كان يتم تقديها بعيدا عن أى دور للحكومات ولم يتم تطوير أى آلية لوضع أولويات سواء لتجميع المطالبات والتقدم بها (كما حدث فى لجنة التعويضات بالنسبة للفئات ـ أ ـ، ـ ب ـ، ـ ج ـ ) أو لدفع التعويضات ذاتها أما فى حالة لجنة التعويضات فالحكومات تلعب دورا مركزيا سواء فى تقديم المطالبات أو استلام وتوزيع التعويضات وقد تقدم 1500 فرد أمريكى بمطالبات فردية، وكانوا يمثلون 3.75% من إجمالى 40 ألف مواطن أمريكى كانوا قد تركوا إيران وكانت معظم هذه المطالبات صغيرة الحجم وجاءت من أمريكيين اعتبروا انهم اضطروا ـ بشكل أو بآخر ـ إلى ترك إيران وترك ممتلكاتهم ووظائفهم هناك وبحلول شهر يونيو 1990 كانت معظم المطالبات المقدمة من مؤسسات قد تم الانتهاء منها ودفع تعويضاتها وعلى سبيل المثال فقد حصلت 4 مؤسسات نفطية أمريكية ضخمة على تعويضات بلغت بليون دولار وطبقا لاتفاقية الجزائر فقد حولت إيران بليون دولار من أرصدتها التى كانت مجمدة بالولايات المتحدة إلى حساب خاص لدفع التعويضات كما التزمت بأنه يبقى بهذا الحساب ما لا يقل عن 500 مليون دولار فى أى لحظة وعندما كانت موارد هذا الحساب تقل عن هذا الحد كان التمويل يأتى من أموال سددتها الولايات المتحدة لتسوية مستحقات إيرانية وفى مرحلة لاحقة سمحت الولايات المتحدة بشراء نفط أيرانى ـ وهو ما كان محظورا فيما عدا هذه الحالة ـ بشرط تحويل ثمن هذه المبيعات مباشرة إلى الحساب الخاص المشار إليه سابقا وبحلول يوليو 1990 أيضا كان قد تم الانتهاء من مطالبات الحكومات ودفع قيمتها إلا انه بالمقابل لم يكن قد تحقق تقدم يذكر بشأن مطالبات الأفراد فمن بين كافة المطالبات المرتبطة بادعاءات الأبعاد غير القانونى حدثت جلسات استماع لست حالات فقط وحصلت حالة واحدة على تعويض كان عبارة عن نسبة من خسارة فى الممتلكات الشخصية دون التعويض لنفس الشخص عن فقدان الدخل وفى يونيو 1990 توصلت الحكومتان الإيرانية والأمريكية إلى اتفاق يغطى كافة المطالبات التى كانت ما تزال معلقة وقيمتها اقل من 250 آلف دولار وفى 1991 كان قد بقى 110 مطالبة فقط دون حسم (54).
بالمقابل فإن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات يقدر لها أن تتلقى حوالى 2 مليون مطالبة تعويض وكانت قد حددت فى الفئتين ـ أ ـ و ـ ب ـ للمطالبات مبالغ متماثلة لكافة المطالبين الأفراد مع مطالبتهم بالحد الأدنى من الأدلة والقرائن كذلك عمدت اللجنة للفصل بشكل واضح بين مختلف فئات المطالبات وفى حين تمكنت الأمم المتحدة ـ عقب انتصار التحالف الدولى فى حرب الخليج ـ من فرض برنامج تعويضات حرب على العراق غير مسموح له فيه سوى بدور محدود، فإن اتفاق الجزائر جاء كنتيجة لتسوية تفاوضية بين الولايات المتحدة وإيران بهدف حل خلافات ارتبطت باحتجاز 52 رهينة أمريكية بطهران وبالتالى، كان اتفاقا بين دولتين متساويتين فى السيادة وقد استمر خلال فترة وجود محكمة التحكيم هذا الدور المتساوى للطرفين وقد مكنت هذه المساواة ـ على سبيل المثال ـ إيران من ترجمة اعتراضاتها السياسية والأيديولوجية على مفهوم ـ الأبعاد غير القانونى ـ للأمريكيين إلى حجج قانونية ساهمت فى تأخير تناول المطالبات المرتبطة بهذا المفهوم (55).
وقد كانت محكمة التحكيم الإيرانية ـ الأمريكية بطبيعتها جهازا قضائيا يطبق مبادئ القانون الدولى مما استوجب فى كل حالة تحديد إمكانية نسبة الإجراءات التى تركزت عليها شكاوى المطالبين بشكل قانونى للحكومة الإسلامية فى إيران ـ فى ظل وضع تميز بالنشاط السياسى الواسع النطاق لأفراد وجماعات كان من الصعب أحيانا الربط بينهم وبين الحكومة الإيرانية (56).
إلا أنه فى حالة لجنة التعويضات، استفادت اللجنة من كون مجلس الأمن قد أعلن بالفعل مسئولية العراق فى ظل القانون الدولى عن الخسائر الناتجة مباشرة عن غزوه واحتلاله للكويت مما ترك المسألتين المعلقتين هما فقط تعريف الضرر الذى عانى منه المطالب بتعويض ومدى مباشرة العلاقة السببية بين هذا الضرر من جهة وبين غزو العراق واحتلاله للكويت من جهة أخرى وبينما كانت فرص الحصول على تعويض كامل كبيرة جدا بالنسبة لمن صدرت أحكام لصالحهم فى محكمة التحكيم الإيرانية، الأمريكية بفضل توفر الموارد لدى الحساب الخاص، فإن التعويض الكامل فى حالة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات يبدو على المدى القصير صعبا وان كان اتخاذ قرارا لمجلس إدارة اللجنة فى المستقبل يعطى أولوية لتعويض مطالبات الأفراد الصغيرة قد يعزز فرص حصولهم على تعويض كامل أو على الأقل يقترب من قيمة توازى ما حدث لهم من ضرر وإذا نظرنا إلى مبيعات صادرات النفط العراقى عام 1989 وافترضنا تكرارها حال استئناف العراق لصادراته النفطية عقب رفع الحظر عليه، وإذا افترضنا جدلا أن قيمة التعويضات المقررة قد تبلغ 100 ـ 120 بليون دولار ؛ فسنجد أن نصيب صندوق التعويضات سيكون حوالى 6 ـ 7 بلايين دولار سنويا، مما يعنى استغراق عملية التعويض بالكامل فترة تمتد من 15 إلى 20 سنة، مما يؤخر الحصول على تعويضات كبيرة وكاملة ـ خاصة للمؤسسات والحكومات وقد تكون هناك مدفوعات جزئية لعدم كفاية الموارد تستكمل فى سنوات قادمة مما يبرز أهمية موضوع تحديد الأولويات فيما بين المطالبات (57).
وفى حالة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات فإن عددا كبيرا من الطالبات سيتم تناوله من خلال عملية ذات طابع إدارى فنى أكثر منها ذات طابع قانونى قضائى إلا أنه فى بعض حالات المطالبات الكبيرة قد يقرر المفوضون تبنى إجراءات ـ مثل جلسات الاستماع ـ تكون غالبا مماثلة لما اتبع فى حالة محكمة التحكيم الإيرانية ـ الأمريكية (58).
كما سبق وإن ذكرنا فبينما أصر العراق على حصر المطالبات فى لجنة الأمم المتحدة للتعويضات فقد رفض ذلك مجلس الإدارة ولم يحظر على المطالبين التقدم بمطالبك من خلال ساحات أخرى مثل المحاكم الوطنية، أما فى حالة محكمة التحكيم الإيرانية/ الأمريكية فقد حظر اتفاق الجزائر الذى انشأ المحكمة التقدم بنفس المطالبات فى أماكن أخرى (59).
وبالنسبة للمؤسسات فبينما اعتبرت لجنة التعويضات أن الدولة المسجل فيها المؤسسة مسئولة عن التقدم بمطالبتها، فإن المحكمة الإيرانية الأمريكية اعتمدت فى ذلك على معيارى جنسية أغلبية أصحاب الأسهم أو جنسية أولئك الذين لهم السيطرة الفعلية على المؤسسة (60).
وفى حين سمحت لجنة التعويضات للحكومات بأن تتقدم بمطالبات لمواطنين يتمتعون بوضع الجنسية المزدوجة أو حتى بمطالبات لأجانب مقيمين على أراضى دولة هذه الحكومة فإن هذا شكل ابتعادا عن ممارسات المحكمة الإيرانية / الأمريكية التى كانت تسمح فقط لكل من الدولتين بالتقدم بمطالبات لمن يحملون جنسيتها وفى حالة ازدواج الجنسية كان يشترط أن تكون الجنسية الفعالة والغالبة هى جنسيو إحدى الدولتين (إيران أو الولايات المتحدة) (61).
وبينما تحدد فى المحكمة الإيرانية / الأمريكية مدى التعويض بالنسبة لخسائر الأرباح المتوقعة مستقبلا وآخذه فى الاعتبار عند تقييم خسائر المصادرات، (62).
فإن مجلس إدارة لجنة التعويضات ما زال لم يتبن أسلوبا محددا بعد لتوجيه المفوضين بشأن تقدير مثل هذه الخسائر وأخيرا، فإنه بينما تكونت محكمة التحكيم الإيرانية / الأمريكية من سكرتارية ومحكمة ومحكمين، فإن المحكمة لم يكن لها حق تعديل التعويضات التى يقدرها المحكمون، (63).
وهو الحق الذى يملكه مجلس إدارة لجنة التعويضات ويملك تعديل مبالغ التعويضات التى يقررها المفوضون الخاتمة:ـ لاشك أن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات قد قدمت مساهمات جديدة فى هذا المجال خاصة الاعتماد على ما سمى ب ـ التحكيم بالكمبيوتر ـ من خلال إدارة عملية تجهيز المطالبات وقاعدة بيانات التحقق بالكمبيوتر لتغطية العدد الكبير من المطالبات ـ خاصة الفئة ـ أ ـ مع إمكانية شمولها فئات أخرى ـ حيث تم أعداد وتوزيع برنامج كمبيوتر لجمع بيانات مطالبات التعريض عن المغادرة وتقديمها للجنة على ديسكات بعد ملئها بواسطة الحكومات كذلك تبحث اللجنة مسألة نظام العينة فى تناول مطالبات الفئة ـ ج ـ على أساس تقسيمها إلى فئات فرعية، كذلك فقد دخلت اللجنة ميدان تعريف ـ الآلام العقلية ـ المستحقة للتعويض وأدرجت شهادات الشهود بشكل كتابى مع المطالبات لدى تقديمها إلى اللجنة وقد سهلت اللجنة ـ وبلا شك ـ مهمة المطالبين ـ خاصة صغارهم ـ نتيجة تأكيد مجلس الأمن على مسئولية العراق وبالتالى وفر على المطالبين ركنا أساسيا فى أى عملية تحكيم دولى وهو إثبات مسئولية الطرف المطالب منه تعويض فى ظل القانون الدولى وأخيرا فإن ما تبنته اللجنة من تطوير لما جاء بقرار مجلس الأمن بشأن الخسائر البيئية قد يكون مقدمة هامة لتطوير أوضاع قانونية دولية بشأن تعويض خسائر البيئة التى قد تنتج مستقبلا عن حدوث صراعات مسلحةومن جهة أخرى فان اللجنة تبقى مواجهة بعدد من التحديات التى سيكون عليها التغلب عليها لتأكيد مصداقيتها ودورها ـ ومن لرائها مصداقية ودور الأمم المتحدة ككل ـ مثل التوازن المطلوب بين الالتزام بقواعد قانونية ـ أو إجرائية اعتيادية وبين الحاجة لاتخاذ قرارات مبكرة ونهائية مراعاة للاعتبارات الإنسانية مما يستوجب السرعة النسبية فى تعويض من يثبت تضررهم المباشر ولو بشكل جزئى فحتى لو كانت العدالة جزئية فهى إيجابية فى الدور الذى تلعبه إذا ما قيس الأمر بالعدد الضخم للمطالبات والسرعة النسبية فى الحسم وتأتى أيضا أهمية اعتبارات التوازن الفعلى على أرض الواقع بين السرعة والعدالة والكفاءة فى عملية المطالبات لتأكيد القدرة على إدارة العملية ككل كما أن مفهوم العدالة هنا ينصرف أيضا إلى توازن أخر بين المطالبات المشروعة للحصول على تعويض مع مفهوم العراق لما هو احتياجات مشروعة له تخص حياة شعبه وإعادة دوران عجلة الاقتصاد به والاندماج فى المجتمع الدولى من جديد (64).
وأخيرا، فإنه إذا توفر بيع النفط العراقى ومساهمة عائداته فى تمويل صندوق التعويضات بمستويات مرتفعة بحيث تدفع نسبة مرتفعة من التعويضات خلال فترة زمنية معقولة، فان وظيفة لجنة الأمم المتحدة للتعويضات تكون قد نجحت ـ طبقا لأهدافها ـ وتكون قد أثبتت فعاليتها كآلية تعويض فى إطار الأمم المتحدة.
الهوامش:

ليست هناك تعليقات: